السؤال:

هل تجوز صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، في البلدة التي فيها أكثر من مسجد وأقيمت الجمعة فيها، ولم يُعرف المسجد الذي أدى الجمعة أولًا من غيره؟

الجواب:

فضيلة الدكتور خالد محمود
إن صلاة الظهر بعد الجمعة، استنبطت من السنة المطهرة( باحتياط المرء لدينه )، من قبل الأئمة الأربعة وهي مدونة في كتبهم جميعًا، وهي دائرة بينهم في ذلك بين الواجب والمندوب، وبيان ذلك:

- مذهب السادة الشافعية: يقول الإمام الشافعي: ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده إلا في المسجد الأعظم، وإن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا في واحد وأيها جمع فيه أولا بعد الزوال فهي الجمعة وإن جمع في آخر سواه لم يعتد الذين جمعوا بعده بالجمعة، وكان عليهم أن يعيدوا ظهرًا أربعًا.

ويقول ايضا: اذا اتسعت البلد وكثرت عمارتها، وبني فيها مساجد كثيرة لم تجز عندي ان يصلى الجمعة فيها إلا في مسجد واحد وأن صلى في مسجد منها غيره صليت الظهر أربعا. (الأم: 1/171)

اشترط السادة الشافعية قاطبةً، لصحة الجمعة ألا يسبقها جمعة في البلد أو القرية، ودليل هذا الشرط أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقم سوى جمعة واحدة وكذلك الصحابة والتابعون، فإن سبقت إحدى الجمع غيرها فهي الصحيحة وما بعدها باطل لأنه لا يزاد على واحدة وإن تقارنتا فهما باطلتان، والعبرة بالسبق والمقارنة بالراء من تكبيرة إحرام الإمام، فإن علم السابق، وجبت الظهر على الجميع لإلتباس الصحيحة من الفاسدة وهذا يصعب ضبطه بين المساجد، وإن تعددت الجمعة لحاجة جاز التعدد وصحت صلاة الجميع وسن صلاة الظهر احتياطًا وخروجًا من خلاف منع التعدد ولو لحاجة،وينوي آخر ظهر بعد صلاة الجمعة وتكون جماعة. وصلاة الظهر بعد الجمعة إما واجبة إن تعددت الجمع لغير حاجة أو مستحبة اذا كان التعدد بقدر الحاجة فقط.
(الحاوي الكبير للماوردي2/447، المهذب 1/124، مغني المحتاج 1/281،حاشية البيحوري 2/173، نهاية المحتاج للرملي 2/292، المجموع للنووي 4/485)

- مذهب السادة الحنفية: الرأي الراجح، أن تعدد المساجد و الأماكن التي تصح فيها الجمعة لا يؤثر في صحة الجمعة ولو سبق بعضهما الآخر، وذلك بشرط أن لا يحصل عند المصلي اليقين بأن غيره من المصلين في المساجد أو الأماكن الأخرى، قد سبقه في صلاة الجمعة ولو سبق بعضهما الآخر.

فإذا حصل له هذا اليقين وجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمة واحدة، ويلاحظ أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض وفوق السنة المؤكدة، والأفضل كذلك أن يصليها في بيته حتى لا يعتقد أنها فرض، وهذا كله حكم ما إذا تيقن أن غيره من المصلين في المساجد الأخرى، سبقه في صلاة الجمعة.

أما اذا حصل له شك في ذلك ولم يتيقن، فإنه يندب له أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر على الوجه المتقدم (كتاب البناية شرح الهداية المرغياني: 3/109 ، بدائع الصنائع للكساني: 2/664، حاشية ابن عابدين: 2/145، البحر الرائق لابن نجيم: 2/154).

مذهب السادة المالكية: ذهبوا إلى أن الجمعة إنما تصح في المسجد العتيق، وهو ما أقيمت فيه الجمعة أول مرة، وقيل لا يجوز تعدد الجمعة في المذهب ولو في الأمصار، وفائدة ذلك أنه لو تعددت الجمعة لم تكن الجمعة إلا للعتيق عندنا باطلة لأهل الجامع الجديد، أما اذا اقيمت الجمعة في الجديد وحده،صحت وتصح في الجديد في الاحوال الاتية:

- أن يهجر العتيق كلية وينقلها الناس الى الجديد.
- أن يحكم حاكم بصحتها في الجديد.
- أن يكون القديم ضيقا ولا يمكن توسعته فيحتاج الناس إلى الجديد.
- أن تكون هناك عداوة بين طائفتين بالبلد الواحد ويخشى من اجتماعهما في مسجد واحد حدوث ضرر لأحداهما في الأخرى، فإنه يجوز لأيهما اتخاذ مسجد من ناحيته يصلون فيه الجمعة ما دامت العداوة قائمة.
(مختصر العلامة خليل: 46، مواهب الجليل للحطاب: 2/161، الندر الثمين: 2/45، الفواكه الدواني: 1/266،الشرح الصغير للدردير: 1/508، حاشية الدسوقي 1/374، الخرشي على المختصر خليل: 2/74).

مذهب السادة الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن تعدد الأماكن التي تقام فيها الجمعة في البلدة الواحدة، إما يكون لحاجة او لغير حاجة، فإن كان لحاجة كضيق مساجد البلدة ممن تصح منهم الجمعة، وان لم تجب عليهم ،وإن لم يصلوا فعلاً فإنه يجوز، وتصح الجمعة في جميع المساجد سواء كانت صلاة الجمعة في هذه المساجد بإذن ولي الأمر أم بدون إذنه، وفي هذه الحالة ،الأولى أن يصلي الظهر بعدها.

أما اذا كان تعدد المساجد لغير حاجة، فإن الجمعة في غيره باطلة حتى ولو سبقت، فالصحيحة منها ما سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد بأن كبروا تكبيرة الإحرام معًا، بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، فإن امكن إعادتها جمعة أعادوها وإن لم يكن، صلوها ظهرًا، أما إذا لم تعلم السابقة (وهذا صعب ضبطه في زماننا )فإن الجمعة تصح في مسجد غير معين ،فلا تعد جمعة ولكن على الجميع أن يصلوها ظهرًا.(المغني لابن قدامة: 2/250، كشاف القناع للبهوتي 2/39).

فتاوى مختارة